العقل
هو مصطلح يستعمل، عادة، لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري.خاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي مثل : الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء، وحتى الانفعال العاطفي يعدها البعض ضمن وظائف العقل.
و رغم وجود فصائل حيوانية أخرى تمتلك بعض القابيات العقلية، إلا أن مصطلح العقل عادة يقصد به المتعلق بالبشر فقط. كما أنه يستعمل أحيانا لوصف قوى خارقه، غير بشرية، أو ما وراء طبيعية.
النظريات التي تبحث في العقل، ما هو وكيف يعمل، تعود تاريخيا إلى عهد أفلاطون وأرسطو وغيرهما من الفلاسفة الإغريق. النظريات ما قبل العلمية وجدت جذورها في اللاهوت والفكر الديني عموما. وركزت على العلاقة بين العقل، والروح (أو الجوهر الإلهي المفترض للذات الإنسانية). أما النظريات العلمية الحديثة فهي تعتبر العقل ظاهرة تتعلق بعلم النفس. وغالبا ما يستخدم هذا المصطلح بترادف مع مصطلح الوعي. السؤال عن أي جزء أو اي صفة من الإنسان يساهم في تكوين العقل لا يزال محل خلاف. هناك البعض يرى ان الوظائف العليا فقط (التفكير والذاكرة بشكل خاص) وحدها هي التي تكون العقل. بينما الوظائف الأخرى مثل الحب والكره والفرح تكون "بدائية" و" شخصية" وبالتالي لا تكون العقل.بينما يرفض آخرون هذا الطرح، ويرون ان الجوانب العقلانية والعاطفية من الشخصية الإنسانية لا يمكن فصلها بسهولة.و انها يجب أن تؤخذ كوحدة واحدة. في الاستعمال الشعبي الشائع، العقل، يخلط عادة مع التفكير.و عادة ما يكون " عقلك" حوارا داخليا مع نفسك...
من أهم مساندي الرؤية الجوهرية كان جورج بيركلي في القرن الثامن العشر الميلادي، الذي كان فيلسوفا واسقفا انجليكانيا، ادعى بيركلي انه لا يوجد شيء اسمه مادة على الإطلاق.و ما يراه البشر ويعتبرونه عالمهم المادي لا يعدو ان يكون مجرد فكرة في عقل الله.و هكذا فأن العقل البشري لا يعدو ان يكون بيانا للروح. قلة من فلاسفة اليوم يمتلكون هذه الرؤية المتطرفة، لكن فكرة ان العقل الإنساني، هو جوهر، وهو أكثر علوا ورقيا من مجرد وظائف دماغية، لا تزال مقبولة بشكل واسع.
آراء بيركلي هوجمت، وفي نظر الكثيرين نسفت تماما، من قبل توماس هنري هكسلي، وهو عالم أحياء وتلميذ لداروين، عاش في القرن التاسع عشر الميلادي. وافق هكسلي أن ظاهرة العقل مميزة في طبيعتها، ولكنه أصر على أنها لا يمكن أن تفهم إلا على ضوء علاقتها بالدماغ. سار هكسلي وراء تقليد في الفكر المادي البريطاني يعود إلى توماس هوبز، الذي جادل في القرن السابع عشر، إن الفعاليات العقلية كلها محض فيزيائية في حقيقتها، رغم أن المعلومات الإحيائية – التشريحية في عصره، لم يكن لها أن تدعم مقولته، أو توضح ما هو الأساس الفيزيائي لهذه الفعاليات العقلية. هكسلي جمع بين هوبز وداروين ليقدم رؤية حديثة (بمقاييس عصره) للرؤية الوظيفية أو المادية.
آراء هكسلي دعمت بالتقدم المستمر للمعارف الإحيائية عن وظائف الدماغ. مذهب هكسلي العقلاني هذا ،جوبه لاحقا، في أوئل القرن العشرين من قبل سيغموند فرويد، الذي طور نظرية العقل اللاواعي، والذي ذهب إلى أن العمليات العقلية التي يؤديها الأفراد بوعيهم تشكل جزءا بسيطا جداً من الفعالية العقلية التي تؤديها أدمغتهم. كانت الفرويدية، بمعنى ما، أحياء للمذهب الجوهري للعقل، ولو تغطي بغطاء علمي.
فرويد لم ينكر، بأي حال من الأحوال، أن العقل، كان وظيفة دماغية، لكنه كان يرى أن العقل، كعقل، كان يملك عقلا خاصا به، لسنا واعين به، ولا يمكن التحكم به، كما لا يمكن الدخول إليه إلا عن طريق التحليل النفسي (خاصة، حسب فرويد، عبر تحليل الأحلام). رغم أن نظرية فرويد في العقل اللاواعي مستحيلة على البرهنة تجريبيا، الا انها قبلت بشكل واسع، واثرت بشكل كبير على الفهم الشعبي الرائج للعقل. لاحقا وفي عام 1979، اعتبر العقل، من قبل دوغلاس هوفستداتر، كظاهرة إحيائية وسيبيرنيطيقية، تبزغ من الشبكة العصبية للدماغ. نشوء مفهوم الذكاء الاصطناعي، اثر كثيرا على مفهوم العقل والجدل حوله, فلو كان العقل فعلا منفصل عن الدماغ، أو أعلى منه ،لما استطاعت اي آلة مهما بلغ تعقيدها، ان تشكل عقلا. وعلى الجانب الاخر، لو كان العقل مجرد تراكم وظائف دماغية، لصار من الممكن ولو نظريا، تكوين آلة مع عقل. الدراسات الحديثة التي تبحث في مفهوم العقل، تربط بين دراسة الشبكات العصبية، وعلم النفس، علم الأحياء الخلوي والجزيئي، علم الاجتماع، تاريخ العلم، والألسنية.